نصأدبي : من قضايا الشعر في عهد الدولة الرستمية
التعريف بالشاعر:افلح
بن عبد الوهاب : هو الإمام افلح بن عبد الوهاب بن رستم ثالث الأئمة
الرستميين نشا في بيت علم وجاه فأبوه هو الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن
مؤسس الدولة الرستمية ولعل عهده يعد أرقى عصور الدولة ثقافة وفكرا كان قبل
أن يتولى الإمامة قد عقد بين يديه ثلاثة حلق هي علم الفقه والكلام واللغة
العربية اخذ العلم عن أبيه وجده ومن عاصرهم من كبار العلماء حتى بلغ درجتهم
وتفوق على بعضهم ، انفرد بأقوال في علم الكلام واعتبر من اجلها إماما وقد
ترك افلح العديد من الرسائل كما أن له اهتمامات بالحديث وروايته جمعت في (
معتمد الإباضية في الحديث) لم يمكن شاعرا بقدر ما كان ناثرا وخطيبا لامعا ،
عرف في ميدان الشعر بقصيدة رائية يتيمة يحث فيها على طلب العلم واكتسابه
ويبجل فيها العلم والعلماء ويحط من قيمة الجهل والجهلة ، لكن شعره كشعر كل
الفقهاء يغلب عليه الطابع التعليمي.
اكتشاف معطيات النص:للعلم
قيمة غالية لا تضاهيها قيمة أي شيء نفيس في هذا الوجود لهذا افرد له
الشاعر الإمام هذه القصيدة اليتيمة مشيدا به وبآثاره الفاضلة على الفرد
والمجتمع .
إذا كان للعلم هذه القيمة السامية فكل الصعاب لنيله تهون
وهذا ما دعا إليه الشاعر في البيتين 7و 8 حيث حث المرء على طلب العلم أنى
وجد متحملا في ذلك كل مشاق السفر و الترحال صابرا على أهوال الليل وأخطار
الفيافي .
ومادام نيله صعبا وتفقهه غاليا فليكن صاحبه متواضعا يجعله لله لا يلبسه مفخرة وتباهيا.
ينهي الشاعر أبياته محذرا من المجادلة والمماراة في العلم بغير حق ، فبئس المجادل في الحق فما نال من هذا الانحراف غير الآثام.
مناقشة معطيات النص:شبه الشاعر العلم بالدر في قوله: العلم در له فضل ولا احد في الناس يدري لذلك الدر مقدار
العلم در : تشبيه بليغ حذفت منه الأداة ووجه الشبه لجعل العلم والدر متساويين في النفاسة . أصبح المشبه والمشبه به مستغرقين.
الأثر: إبراز قيمة العلم وفضله عن طريق مساواته بالدر
في البيتين 5و6 اقتباس من الحديث الشريف: عن آبي الدر داء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من
سلك طريقا يتطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وان الملائكة لتضع
أجنحتها رضا لطالب العلم وانه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض حتى
الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب أن
العلماء هم ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم
فمن أخذه اخذ بحظ وافر)
اعتمد الشاعر على الأسلوب الإنشائي في 7-8-9 : اشدد -صل - اصبر: أسلوب إنشائي طلبي تضمن الأمر غير الحقيقي غرضه]النصح والإرشاد
أكرم بأهل العلم زوارا : أسلوب إنشائي غير طلبي تضمن التعجب غرضه الإكرام والإجلال لأهل العلم
الصورة البيانية التي تضمنها البيت 12 :
أولا
: يصطاد بالعلم أموال العباد: شبه الأموال بفريسة والعلم بسهم حذف المشبه
به في كلتا الصورتين وأبقى على شيء من صفاته وهي الاصطياد على سبيل
الاستعارة المكنية المزدوجة المشخصة للمعنوي في صورة محسوسة مادية تقرب
المعنى من الذهن.
ثانيا : في البيت كله تشبيه تمثيلي حيث لم يأت المشبه
والمشبه به مفردات بل صورة متكاملة أما وجه الشبه فمنتزع من متعدد والتشبيه
التمثيلي يبرز صورة المشبه ويوضحها .
تحديد بناء النص:تحديد مزايا العلم : ابرز الشاعر مكانة العلم مضفيا عليه صفات متعددة : العلم در له فضل على الأعمال قاطبة .
العلم يكشف أغوار الشخصية ودقائق الأشياء- فضل طالب العلم اسمي من فضل العابد .............
من هذا المنطلق نمط النص وصفي يتخلله الحجاج .
خصائصه : الاعتماد على الجمل الاسمية مثل : العلم أبقى ... حي وان مات ... العلم در ....
توظيف التشبيه مثل : العلم در - يصطاد بالعلم أموال العباد كما يصطاد مقتنص بالباز أطيارا ............
توظيف الأحوال : من عابد سنة الله مجتهدا - أحيى الليل اسهرا - اصبر على دلج الاغساق معتسفا.
أما
مؤشرات الحجاج فتتجسد أولا في الوظيفة الحجاجية التي يرمي إليها النص
بالإضافة إلى اقتناء مجموعة من الحجج كالاستعانة بالاقتباس من السنة
القولية : البيتان 5 و6
الاستعانة بالمنطق : العلم أبقى لأهل العلم آثارا - حي وان مات ذو علم وذو ورع
تفحص الاتساق والانسجام:كرر الشاعر لفظة العلم : للدلالة على أهمية وسمو مكانته والإقناع بقيمته الفاضلة وفي هذا التكرار توكيد وترسيخ للمعنى .
تكررت
حروف الجر في الأبيات التسعة الأولى ولعبت دورا فعالا في عملية الاتساق
والربط بين أجزاء الجمل كما دلت على معان مختلفة مثل : العلم أبقى لآهل
العلم : تفيد الاختصاص
ما مات عبد قضى من ذلك أو طارا : تفيد تحديد الجنس أي من العلم
في
الناس : تفيد الاشتمال - على الأعمال : تفيد الاستعلاء - في العلم : بمعنى
طالبا العلم دارسا له - اشدد إلى العلم : تفيد الوجهة والمكان .
نلاحظ
تلاحم وترابطا وثيقا بين البيتين 11 و12 ففي البيت الأول يذم الشاعر
المجادل بغير حق أما في البيت الذي يليه فيفصل في الطريقة التي يتعامل بها
هذا المنحرف الجاهل مع الناس متخذا العلم وسيلة للابتزاز : فالشاعر في
البيت الأخير يبرر سبب ذمه وهجائه .